هل تساعد اختبارات بيزا على تطوير الانظمة التعليمية العربية؟

بقلم الباحث مهند حسين علي
المقدمة:
لقد كان للاستبيانات الدولية لمنجزات الطلبة شعبية واسعة ومهمة للحكومات والانظمة التعليمية حول العالم (Baird, et al. 2011:1). فالدول تسعى جاهدة لقياس ادائها في التعليم ومقارنته مع الدول الاخرى. لقد قدمت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD" البرنامج الدولي لتقييم الطلبة Programme for International Students Assessment (PISA) لقياس اداء الطلبة حول العالم (Plackett, 2014).
منذ بداية الالفية، فالبرنامج المذكور يسمح باجراء المقارنة بين جميع الدول المشاركة بطريقة تسمح لهم باكتشاف مستوى طلبتهم في التعليم. ان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD هي منظمة غير حكومية تهدف الى تشجيع الخطط والسياسات التي تدعم التنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية حول العالم. ومن ثم حاولت هذه المنظمة ربط التعليم مع النمو اقتصادي ، اي انها وضعت فرضية بأن الدول التي يكون مستوى تعليمها عالياً فهي ستكون قادرة على انتاج ثروة اقتصادية في المستقبل اي ستحقق اقتصاداً مرتفعاً (OECD,2015). لكن ادلة قليلة تم تقديمها لاثبات العلاقة بين اداء المدارس وقوة الاقتصاد (Hanushek, et al. 2008).
ان التركيز الرئيسي في هذه المقالة سوف يكون على المبادرة العربية للمشاركة في اختبارات PISA كمحاولة لتحسين انظمتهم التعليمية. ان الباحث في هذه المقالة اصلا من العراق وقد لفت انتباهه ازدياد الدول العربية التي تلتحق في هذا البرنامج، وقد اختار هذا المجال لزيادة معلوماته حول البرنامج بالاضافة الى البحث عن حقيقة وجود تأثير لمثل هكذا اختبار على مخرجات الانظمة التعليمية العربية وكذلك لمعرفة الدوافع الحقيقية التي تكمن خلف المشاركة العربية باختبارات بيزا ، علما بان العراق لم ينضم الى هذا الاختبار لحد الان.
في هذا المقال، سوف يركز الباحث على ايجاد اجابات لثلاث اسئلة رئيسية، اولاً: ماهو اختبار بيزا PISA؟ ثانياً ماهو التأثير الذي احدثه هذا الاختبار على الانظمة التعليمية؟ ثالثاً لماذا هنالك تزايد في الدول العربية التي تنضم الى هذا الاختبار؟
سوف ابدأ اولاً باعطاء فكرة عامة عن هذا الاختبار ومن ثم المشاركة العربية في البرنامج . بالاضافة الى التحقق عن الدوافع التي دفعت هذه البلدان للانضمام بهذا الاختبار. اخيراً سوف اتطرق الى ابرز الانتقادات التي رافقت هذا الاختبار مع بعض التفاصيل.
<script async src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-1306468337631974"
crossorigin="anonymous"></script>
خلفية عامة عن اختبار بيزا PISA:
ان الهدف الاساسي من انشاء الاختبار الدولي لتقييم الدولي هو قياس واحتساب اداء الامم في ثلاث مواد معرفية: الرياضيات، العلوم والقراءة.من الجدير بالذكر انه قبل اصدار هذا البرنامج كانت هنالك محاولات سابقة لايجاد اختبار دولي يساعد البلدان بمقارنة انظمتها التعليمية مع بقية الدول. على سبيل المثال، في عام 1964 تم تقديم نظام (FIMS) من قبل الجمعية الدولية لتقييم منجزات التعليم IEA لقياس مخرجات انظمة تعليمية مختلفة كمحاولة لتتشخيص نقاط الضعف والفشل (IEA, 2011).
ومن ثم فلقد تم استحصال موافقة دولية لعدة بلدان على قبول " الرياضيات الجديد New mathematics" كمادة جديدة لتدريس الرياضيات في المدارس بعدما تمت مناقشة ماذا يجب ان يتضمن هذا المنهج الجديد. لقد شارك في هذا الاختبار طلاب بعمر 13 سنة من بلدان مختلفة كالاولايات المتحدة الاميركية، انجلترا، اسكتلندا، استراليا، فنلندا، بلجيكا، فرنسا، المانيا، هولندا، السويد، اليابان، اسرائيل. تم الاستمرار بالعمل على تطبيق هذا الاختبارات للسنوات اللاحقة في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات. (See also Husen, 1967)
بعد هذا الاختبار، سلسلة من الاختبارات الدولية بدأت بالظهور مثل نظام SIMMS و TIMMS حيث تمت متابعتها من قبل الحكومات وتم الاشراف عليها مباشرة من قبل صناع السياسات التعليمية.
في عام 2000 ابتكرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مبادرة بيزا والتي تضمنت مسحاً او اختباراً دولياً يتم اجراءه كل ثلاث سنوات لتقييم اداء الطلاب بأعمار 15 عام في ثلاث مواد اساسية وهي: الرياضيات، العلوم والقراءة. يهدف هذا الاختبار الى قياس تقدم البلدان بالانظمة التعليمية حول العالم اجمع كل ثلاثة سنوات. اكثر من 70 دولة شاركت في اختبارت بيزا وهذه الدول هي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وان العدد في تزايد مستمر حيث تم انضمام دول اخرى ليست عضوا في المنظمة النذكورة انفاً.
ان الدول المشاركة تستطيع ان تتابع مدى تقدم انظمتها التعليمية من خلال الاحصائيات والاستبيانات التي تقدمها منظمة OECD. في عام 2009 بلغ عدد الدول المشاركة في اختبار بيزا 75 دولة Baird, et al.,2011)). ان اخر اختبار بيزا حصل عام 2015 بمشاركة اكثر من 500000 طالب من بين 65 بلد واقليم (Plackett (2014).
علاوة على ذلك، فلهذا الاختبار جزءاً غاية في الاهمية الا وهو المعلمومات الوافرة التي يقدمها هذا البرنامج عن الطلاب وعن المدرسة عن طريق الاستمارة الاحصائية (الاستبيان) التي يقوم بملئها كل طالب ومدير مدرسة ومعلم مشارك في هذا الاختبار. فأن للاحصاء المرافق لهذا الاختبار قد ساهم باعطاء معلومات لاتقدر بثمن وهو الشيء الذي جعل هذا الاختبار مميزا عن بقية الاختبارات السابقة ((OECD, n.d.
مثال على ذلك، فأن اختبار بيزا يتضمن اسئلة متنوعة تتعلق بالطلاب كخلفيتهم الاجتماعية، حياتهم في البيت، الخلفية الاقتصادية للطالب، خلفية اباؤهم، عدد الكتب التي توجد في بيوتهم ... الخ. الى جانب ذلك، فأن مدراء المدارس يجب ان يشاركوا في استبيان اخر مستقل يعطي تفاصيل اكثر عن موقع المدرسة مثلاً، هل هي مدرسة تقع في مركز المدينة ام اطرافها، هل هي حكومية ام خاصة (Plackett, 2014). فأن هذا الاستبيان يعطي خلفية تامة لصناع السياسات التعليمية او الحكومات ليتمكنوا من تحليل هذه البيانات لاجراء التعديلات المناسبة لسياستهم التعليمية المستقبلية.
ان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD انشأت هذا النوع من الاختبارات وجعلته مختلفاً عن بقية الاختبارات السابقة بتضمينه هذه الميّزات المحددة. ان تصميم هذا الاختبار ركز على كيفية تقويم مهارات الطالب والمعرفة التي امتلكها عن طريق اكماله التعليم الالزامي (بسن 15 سنة) وربط هذه المعرفة التي اكتسبها بمواقف في حياتهم الواقعية. بمعنى اخر، اختبار بيزا يهدف الى معرفة كيف سيقوم هؤلاء الطلاب بتطبيق ماتعلموه بالمدارس في مجتمعهم والانتفاع مما تعلموه من دراستهم. ان عملية تجميع البيانات الاساسية بواسطة الاستبانة المرافقة للاختبار تسمح للمحللين لتحليل محتواها وا نشاء قاعدة بيانات مفيدة (OECD, n.d). كما وان اختبار بيزا يقوم باجراء مطابقة بين الخلفية الاجتماعية والاقتصادية للطلب مع تحصيله الدراسي. وعليه فان عملية مقاطعة البيانات تقيم فعالية كل من الطلاب، والمعلمين وكذلك دور الاباء (Plackett, 2014).
من ناحية اخرى، فاذا ما قارنا البرامج السابقة التي اعدت لاجراء اختبارات دولية فسنلاحظ انها اعتمدت على مايسمى بالقواسم الدولية المشتركة في المناهج المدرسية لغرض اجراء اختبار موحد لطلاب من دول مختلفة بينما تجاوز اختبار بيزا هذه الفقرة (Baird, et al. 2011). فلقد نجحت منظمة OECD باعتماد فكرة اختيار ثلاث مواد دراسية عالمية كقواسم مشتركة يمكن تطبيقها في اي بلد بالعالم بغض النظر عما يدرسه الطلاب في بلدانهم من مناهج. ان تحديد مادة الرياضيات والعلوم والقراءة كمواد اساسية للاختبار ساهم بتمكين الطلاب من اختبار مهاراتهم المعرفية بدلا من الاعتماد على منهجهم المدرسي. لقد ساعدت اختبارات بيزا بشكل كبير الحكومات وصناع السياسات التعليمية من تقييم كفاءة انظمتهم التعليمية عن طريق الاستبيانات المستمرة والتراكمية للمعلومات التي يمكن بكل سهولة مقارنتها مع المعلومات للسنوات السابقة عن اداء الطلبة. واستناداً على ذلك فبأمكان صناع السياسيات التعليمية من اجراء التعديلات على خططهم التربوية تبعا للبيانات المستجدة ومتابعة نتاجات هذه التغييرات على مر الوقت (OECD, n.d).
لقد اوضح هذه الجزء من المقال الاجابة عن ماهو اختبار بيزا وما يجعله مميزا عن باقي الاختبارات الدولية السابقة. في الجزء القادم، سوف يسلط الباحث الضوء على المشاركة المتزايدة للدول في هذا الاختبار، تحديداً المشاركة العربية ومنطقة الشرق والاوسط.
اختبارات بيزا في الدول العربية:
الاونة الاخيرة انضمام العديد من الدول العربية في البرنامج الدولي لاختبار الطلبة "بيزا". فلقد انضمت تونس لهذا الاختبار كأول بلد عربي يُسجل للمشاركة الدولية في هذا الاختبار عام 2003. ومن ثم تم مشاركة قطر في عام 2006 وبعد ذلك انضمت كل من الاردن والامارات العربية المتحدة عام 2009. وفي عام 2015 فلقد التحقت كل من لبنان والجزائر للمشاركة بهذا الاختبار للمرة الاولى (Plackett, 2014).
ان المشاركة العربية يمكن وصفها ببساطة "فقيرة" اذا ما تم مقارنتها مع بقية الامم المشاركة مثل "شانغهاي-الصين"، "كوريا"، "فنلندا"، و "سنغافورة". فأستنادا الى النتائج المتحققة من هذه الاختبارات فقد احتلت تونس المركز ماقبل الاخير في الرياضيات والمركز الاخير في القراءة والعلوم وحل المشكلات من بين 45 بلد اخر (PISA, 2003). لقد صرح السيد Schleicher مدير برنامج بيزا تعقيبا على نتائج الدول العربية بأنه "من المحزن مشاهدة نتائج كهذه ولكن مع ذلك انه من الجيد معرفة المستوى الحقيقي للتعليم ومقارنته مع بقية الدول" (Cited in Plackett, 2014).
مابعد عام 2003، القائمين على التعليم في تونس قاموا بتغيير اموراً عدة بناءاً على البينات المستحصلة من برنامج بيزا لغرض تطوير نظامهم التعليمي. فقد اوضح Schleicher بأن اداء تونس في عام 2012 قد تحسن وان تونس تقدمت على 9 دول اخرى (cited in Plackett, 2014: unpaged). وعليه، فهذا يدل على ان الاختبار كان حافزاً جيداً لصناع السياسة التعليمية في تونس للتفكير واجراء بعض التغييرات لاصلاح مواضع الفشل. فقد اوضح Schleicher بأن بعض الدول التي حققت نتائج ضعيفة كانت من اسرع الدول في تحسين مستواها التعليمي. أن المسؤولين عن التعليم في تونس اعلنوا بأن مشاركتهم باختبار بيزا كانت ناجحة وقد قال مدير التقويم في وزارة التربية التونسية بأن الوزارة قامت باجراء بعض التعديلات كاضافة ساعة اضافية واحدة بالاسبوع لمادة الرياضيات لتحسين اداء الطلبة في هذه المادة.
اما بالنسبة لمشاركة الامارات العربية المتحدة، فقد تم اختيار امارة دبي فقط للمشاركة في هذا الاختبار عام 2009 وقد احتلت المركز 42 من بين 65 بلدا مشاركا في مادة القراءة بمعدل 459، بينما تمركزت بالمركز 41 لكل من مادتي الرياضيات والعلوم بمعدل 453،466 على التوالي (PISA 2009). ان هذه المعدلات كانت دون المعدل الذي حددته OECD الذي تطلب الحصول على 500 كحد ادنى. في عام 2012 فأن مشاركة الامارات قد توسعت لتضم 6 امارات اخرى مع دبي. تسلسل الامارات العربية المتحدة انخفض الى المركز 48 من بين 65 دولة وعلى الرغم من ذلك فأن مستوى اداء الطلاب الاماراتيين آنذاك قد فاق اداء بقية الدول العربية المشاركة في 2009 و 2012.
ولقد شاركت الاردن في البرنامج الدولي لتقييم الطلبة عام 2009 ولقد جاءت في المركز 55 من اصل 65 بمعدل 405 و387 و415 للقراءة والرياضات والعلوم على التوالي. على رغم من هذه المشاركة المتواضعة للاردن، فأن ادائها كان افضل من اداء تونس التي اشتركت بهذا الاختبار منذ عام 2003 حيث سبقتها الاردن بمركز واحد باول مشاركة لها ((PISA 2009. في الدورة اللاحقة عام 2012، فقد انخفض اداء الاردن لتحتل المركز 61 خلف تونس التي احتلت المركز 60 آنذاك ولكنها قد تفوقت على اداء قطر.
المشاركة القطرية كانت من اضعف المشاركات من بين الدول العربية. فعلى الرغم من مشاركة قطر منذ عام 2006 ألا ان اداء طلبتها بقي تحت المعدل في جميع المجالات حتى في الدورات التي تلت 2006. فقد ذكرت منظمة OECD في تقرير لها بأن الطلبة القطريين قد اخفقوا بأدائهم ولم يحققوا المعدل المطلوب من قبل OECD بشكل ملحوظ (OECD 2007).
علامات طفيفة من التحسن يمكن مشاهدتها على اداء قطر اذا ما قارننا الاداء مع اول مشاركة لها (Khatri, 2013). فأن نتائج بيزا 2009 قد صنفت قطر بالترتيب 61 من اصل 65 بمعدل 372و 368 و 379 للقراءة والرياضيات والعلوم تباعاً (PISA 2009). في المحاولة اللاحقة فأن نتائج قطر اظهرت بأن معدل القراءة والرياضيات والعلوم كان 388و 384 و 376 على التوالي (The Peninsula, 2013). على رغم كون هذه النتائج دون معدل OECD ودون معدل باقي الدول العربية فأنها اظهرت نوعاً من التقدم اذا ما تم مقارنتها مع ما حققه الطلاب القطريين في عام 2006 عندما كانت قطر بالقرب من ذيل القائمة (Khatri, 2013).
وكذلك المشاركة اللبنانية والجزائرية لم تأتي بما هو مختلف عن مشاركة باقي الدول العربية فلقد بقي الاداء مقاربا لاداء باقي الدول العربية الذي تمثل بتحقيق نتائج دون المعدل المطلوب من OECD.
بالاجمال، لمتابعة تأثير PISA على الانظمة التعليمية فأن مشاركة الدول العربية اظهرت علامات من التحسن على مر الوقت. وهذا ما يعكس الاهتمام الواسع من قبل الحكومات وصناع القرارات التعليمية واعطائهم اهتماما ملحوظاً لنقاط الضعف في انظمتهم التعليمية. ةهذا ما تم تأكيده من قبل مدير برنامج بيزا Shleicher حيث ذكر بأن "نتائج اختبار PISA تمثل نداء صحوة وخريطة طريق لصناع السياسة التعليمية في جميع انحاء المنطقة" (Plackett, 2014: unpaged). كذلك فقد تم الاستنتاج بأن الدول الاقل اداءاً في اختبار بيزا هي الدول الاكثر سرعة في تحقيق للنتائج. على سبيل المثال التجربة القطرية ومدى التطور الذي حصل خلال مدة يمكن وصفها بالقصيرة حيث تم زيادة 60 نقطة على المعدل في غضون 3 سنوات فقط. هذا بالاضافة الى تطور اداء الطلبة التونسيين في مجال القراءة حيث تفوقت تونس على 9 دول اخرى في 2012 ومع ذلك يجب علينا ان لا ننسى بان لايزال هنالك 59 بلدا اخر متقدم على تونس.
الدوافع للمشاركة في اختبار PISA:
لماذا تشارك الدول في اختبار PISA؟ لايجاد الاجابة عن هذا التساؤل فمن الضروري معرفة الدوافع التي تكمن وراء مبادة صناع السياسات التعليمية حول العالم للالتحاق بهذا البرنامج. فقد اكد Baird, et al. (2011) بأن الحاجة لملىء الفجوة في المعلومات عن الانظمة التعليمية هي احد تلك الدوافع. كما واوضح بأن السبب وراء وجود PISA في الوقت الحاضر متعلق بقاعدة البيانات المبنية على المؤشرات التي تقوم منظمة OECD بتزويدها بشكل منتظم ودوري. بمعنى اخر، على مدار الزمن فان التقرير الدوري لمنظمة OECD سيساعد اصحاب القرار في الحكومات من تتبع تحسين وتصحيح انظمتهم التعليمية. المعلومات المقدمة من قبل هذه البيانات تساعد الدول على تقييم اداء طلبتهم وبالتالي يتم ايجاد الثغرات الموجودة في النظام التعليمي وفقا للنتائج وتصحيحها (Baird, et al. 2011).
فمثلاً ان مشاركة المانيا في PISA عام 2009 كانت ناجحة خصوصا بعد صدمة الاختبار السابق الذي اجري عام 2006. فقد تمت الاشارة الى الدور الهام الذي لعبه اختبار بيزا في التأثير غير العادي على المدارس الالمانية وكيف ساعدت بيانات هذا الاختبار على اصلاح النظام والتأشير على مواضع الخلل في النظام التعليمي. وفقا لما اشار اليه Kerstan (2010) فأن البرنامج الدولي لتققيم الطلبة قد ساعد وعالج المدارس الالمانية بصورة كبيرة وقد ساهم في ارتفاع التصنيف التعليمي لالمانيا عندما كانت سابقا تحتل مراكز قريبة من ذيل القائمة بالقرب من المكسيك والبرتغال.
علاوة على ذلك، فأن دوافع المشاركة الاماراتية في برنامج PISA قد تم تأكيدها من قبل صناع السياسات الاماراتية حيث اشاروا الى الدور الجوهري للبيانات المرافقة للاختبار والنتائج المتحققة من الطلبة. ان مشاركة اكثر من امارة بالاضافة الى امارة دبي قد اتاح الفرصة لدولة الامارات باجراء مقارنات اضافية على مستوى محلي وعالمي وهذا يعمل على مساعدة القادة التربويين لتطوير الانظمة التعليمية. ان البيانات التي يوفرها البرنامج يحفز الدولة على مضاعفة جودها لمساعدة الطلبة في الحصول على تعليم افضل، ويساعد المعلمين على التدريس بصورة افضل، والمدراء على قيادة مدارسهم بصورة اكثر فعالية. اضف الى ذلك بأن اختبار بيزا قد ساعد الامارات على قياس ومقارنة الفروقات الموجودة في نظامهم التعليمي عندما كان هنالك اكثر من 20 منهج مختلف يتم تدريسه في مدارسهم الحكومية وغير الحكومية (MOE, UAE, 2013).
بينما يمكن وصف التجربة القطرية على الارجح ناجحة تبعا لتصريحات المسؤولين في القطاع التعليمي. فقد اعلن مجلس التربية الاعلى بأن برنامج بيزا قد اعطى مؤشرات عديدة عن التقدم في التعليم بالمدارس القطرية الذي عكس نتائجه على الطلبة الذين اظهروا علامات من التحسن عن اخر مشاركتين (SEC, 2013). هذا وقد اكد ايضاً القائمين على النظام التعليمي التونسي بأن المشاركة بالبرنامج كانت مثمرة وقد ساعدت نظامهم التعليمي. فأضافة ساعة اضافية لمادة الرياضيات في كل اسبوع والشروع بتدريس مادة الفيزياء بالمدارس الابتدائية كانت قرارات مستندة على النتائج التي اظهرتها اختبارات PISA ((Plackett, 2014.
باختصار، الاختبار اظهر علامات ايجابية لجميع الدول المشاركة وهذا قد ساعد بدوره القادة التعليميين لاجراء التصحيحات الضرورية لتحسين مدارسهم في المستقبل. ولكن مع هذا، فأن النتائج السيئة يجب ان تعمل بمثابة تحذير لصناع السياسات وتدعوهم الى العمل بوضع خارطة طريق واضحة لانظمتهم التعليمية والشروع بتحسين فعال (Placket
ابرز الانتقادات التي رافقت PISA :
لقد تعرض البرنامج الدولي لتقييم الطلبة ولاسباب متنوعة للانتقاد من قبل العديد من المعارضين التربويين والمشككين بدقة نتائج هذا الاختبار لاعتماده كأساس للمقارنة الدولية فقد وصفه البعض بأنه من الصعب الاعتماد على نتيجة هذا اختبار للمقارنة الدولية. احد اهم القضايا التي تم طرحها هي موضوع اللغة وعملية الترجمة. فعلى الرغم من اعلان PISA الى ان "البرنامج يوفر آليات ضمان جودة قوية للترجمة، ولأخذ العينات ولإدارة اختبار" (Baird, 2011:7). لكن ادارة البرنامج تتوقع بأن اللغة المستخدمة تتسق وتتناغم مع كل البلدان متاجهلين الفوارق في الثقافات. المشككين اكدوا بأن مهارة القراءة هي مهارة غير قابلة للمقارنة خصوصا عندما يدخل ذلك ضمن اطار مقارنة بين دول مختلفة تتحدث لغات مختلفة. ان اللغة المستخدمة اساسا في اختبار بيزا هي اللغة الانجليزية ومن ثم يتم ترجمة المواد الى اكثر من 40 لغة مختلفة (Baird, et al. 2011).
وهنالك جانبا اخر لايقل اهمية عن موضوع اللغة الا وهو تركيز الطلاب على النتائج فقط والذي قد يؤدي الى القضاء على روح الابداع والطموح لدى الطالب. فأن اختبار بيزا يساعد الامم على قياس المهارات المعرفية لطلبتهم ولكنه يمحو ابداعهم ودورهم الريادي. على سبيل المثال بعض الصفات كقابلية التكيف، المهارات الاجتماعية، الثقة بالنفس، الشجاعة، والحوافز لايمكن تقييمها عن طريق اختبار PISA (Zhao, 2014). على نحو مماثل فقد اظهر Strauss (2014) قلقه من اعطاء النتيجة اهتماما اكثر من النشاطات الابداعية الفردية حيث قال "كلما ركزنا اكثر على النتائج، كلما قتلنا الابداع، البراعة، والقدرة على التفكير بطرق غير تقليدية". فالطلاب الذين يفكرون بطرق مختلفة سوف يحصلون على درجات قليلة. فكلما زاد التركيز على الاختبارات كلما اعطينا الاهمية للالتزام، الامتثال، والحصول على الاجابة الصحيحة ((Strauss, 2014.
النقاد كذلك تساءلوا عن العلاقة بين التعليم والنمو لاقتصادي، وقد اعربوا عن قلقهم فيما اذا يقود التعليم الى اقتصار مزدهر من عدمه. فقد اكد Hanushek, et al. (2008) بأنه ليس هنالك دليل كافي على الفهم السائد الذي يفترض بأن الاقتصاد الناجح يجب ان يكون مرتبطا بنظام مدرسي ناجح. فهنالك شحة بالادلة التي تربط الاقتصاد بما يتعلمه الطلبة في المدارس. فلقد برهن (Hanushek, et al., 2008) بأنه لو كان التعليم الجيد يضمن تحقيق اقتصاد مزهر فلماذا الولايات المتحدة الاميركية على سبيل المثال تفشل في تحقيق مرتبة مساوٍ او اعلى من المستوى الذي حددته منظمة OECD في اختبارات PISA ؟ فالترتيب لطلبة الولايات المتحدة كان في مكان دون المعدل المطلوب من OECD بينما تملك الولايات المتحدة الاميركية الاقتصاد الاقوى في العالم؟
فهنالك بلدان مثل فنلندا، كندا، كوريا ، هونغ كونغ، وتايوان قد اظهرت اداءا افضل مما حققته الولايات المتحدة بفارق 50 نقطة اعلى في البرنامج الدولي لتقييم الطلبة. مع العلم ان هذه البلدان تتمتع باقتصاد ضعيف اذا ما تمت المقارنة مع الولايات المتحدة الامريكية. وبالتالي فأن التعليم ليس بالضرورة ان يقود الى ازدهار اقتصاد البلد (Hanushek, et al., 2008).
علاوة على ذلك فأن هنالك قضايا اخرى تتعلق بمدى دقة وموثوقية اختبار PISA في اجراء المقارنات والتقييم. فاستخدام طريقة راش Rasch model لاتمام هذه المقارنات ربما تحد من دقة هذا الاختبار. هذا لكون استخدام طريقة راش يعطي افتراضا قوياً بأن الاشخاص لديهم قدرات ثابتة ويفترض ايضا بان بقية العناصر ايضا ثابتة حتى في حالة وجود صعوبات مرافقة. كما ان نموذج راش قد صنف من قبل البعض كتقنية غير شفافة او غامضة فهو يضع الطلاب والمواد على المقياس مع عدم تضمين احتمالية الصفر. وبناء على ذلك، فان هذه التقنية من الممكن ان تؤثر على النتائج لان ذلك سيؤدي الى تضخيم اصغر الفروقات في الاداء المقدر للبلد وبالتالي فأن ذلك سيقود الى المبالغة في تفسير النتائج من قبل صانعي السياسة التعليمية والسياسيين وابداء مخاوف لا مبرر لها حول معايير بلدانهم النسبية. (Baird, et al., 2011:7)
الخلاصة:
بأختصار، ان هذه المقالة قد اعطت صورة عامة عن البرنامج الدولي لتقييم الطلبة PISA و عن كيفية تقديم منظمة OECD هذا الاختبار وكيف تم انتشاره عالميا. لقد ناقش الباحث الاسباب وراء التحاق العديد من الدول العربية بهذا البرنامج وماذا كانت المنعة وراء انضمامهم. بالاضافة الى ذلك، فأن المقالة تطرقت الى الدوافع التي تكمن خلف انضمام الدول وكيف ساعد هذا الاختبار صناع السياسة التعليمية من اعادة رسم سياساتهم التعليمية بناءا على اداءهم. ومن ثم، فقد تم تسليط الضوء على اهم المشاكل والانتقادات التي رافقت هذا البرنامج وتم اعطاء تفاصيل عن اهم القضايا المثيرة للجدل المرتبطة به. يمكن الاستنتاج من خلال المبادرة العربية للانضمام في بيزا بأن اغلب هذه الدول قد اشتركت لغرض تحقيق تطوير وتحسين المدارس ولغرض تعزيز جودة انظمتهم التعليمية. على الرغم من الانجازات الهزيلة لكل البلدان العربية المشاركة والتي حققت معدلات جميعا دون المعدل المقرر من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فأن محاولة الانضمام هذه تعتبر محاولة لاصلاح النظام التعليمي وعلى الاقل لمعرفة المستوى التعليمي للدولة مع بقية الامم. مما تجدر الاشارة اليه بأن الدول يجب ان لا تقوم بترجمة وتفسير نتائج هذه الاختبارات في عزلة، بالعكس فأن القائمين على التعليم يجب ان يعطوا اهتماما اكبر لاستعداد طلبتهم وكيفية اعدادهم كجيل للتغيير ((Plackett, 2014. أن لهذا الاختبار ان يلعب دور المحفز الجيد او دور "الرافعة" لصناع السياسة التعليمية من اجل ان يتنافسوا مع بقية الدول، لكن مع هذا فعلى السياسيين ان يتعمقوا اكثر بالنتائج واتخاذ القرارات الصحيحة التي من شأنها ان تقود الى التغيير المطلوب. وكما قال مدير البرنامج الدولي Schleicher انها خطوة جيدة للبلدان العربية بأن نراهم قد اصبحوا اقل خشية من الاداء الضعيف الذي يحققونه على المستوى العالمي لانهم اصبحوا مهتمين اكثر بشأن اصلاح انظمتهم التعليمية.
وبناء على ذلك، فالباحث يؤيد مشاركة البلدان في اختبار بيزا واستخدامه كمؤشر لاصلاح المشاكل التعليمية ولكن لا يفسر ذلك على انه فرصة لتحويل المدارس كادوات ووسائل لتدريس الطلاب عن كيفية الاحتيال للحصول على درجات عالية بالاختبار والتركيز فقط على النتائج. والباحث يوصي بأن ينضم العراق الى اختبار بيزا في المستقبل القريب من اجل ان نعرف المستوى الحقيقي للتعليم في هذا البلد ومقارنته مع المستويات العربية والعالمية للاستفادة من الايجابيات التي يقدمها هذا الاختبار والنهوض بمستوى التعليم والارتقاء به.
للاقتباس من هذه المقالة يرجى الاشارة الى المرجع بالشكل الاتي:
علي، مهند حسين (2015) " هل تساعد اختبارات بيزاعلى تطوير الانظمة التعليمية
العربية؟" انسخ رابط الموقع

No comments:
Post a Comment
Dear colleagues